النخبة هى التى تتسلح بالعلم وتسعى للثقافة وتتخلق بالأخلاق وتلتزم بالقيم وتتبنى كل ما هو مفيد للوطن والمواطنين، حتى تصبح قدوة يحتذى بها ومثلاً يسعى الجميع إلى التمثيل به، ذلك ليس فى المجال السياسى فحسب، ولكن فى كل مجالات الحياة، وهذا لا يعنى أن تسعى هذه النخبة إلى مكاسب خاصة أو مصالح ذاتية، ولكن أن يكون هذ السعى فى إطار من القيم والأخلاق، والأهم هو إحداث التوازن بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، كما أن الديمقراطية التى أصبحت كلمة تلوكها كل الألسنة كنوع من إظهار الحداثة والتباهى بالنخبوية التى أصبحت عمليًّا حالة تعالٍ حقيقى على الجماهير، هذه الديمقراطية ليست صندوق انتخابات فقط ولكنها هى حرية المواطن فى إبداء الرأى دون وصاية من أى شكل وبأى نوع، وهنا فإذا جئنا إلى النخبة الحزبية فهى تلك النخبة التى تعتمد على قوة أحزابها، تلك الأحزاب التى تمتلك برامج واضحة تتبنى قضايا الجماهير ولديها السياسات التى تحل مشاكلها، ولذا فهى تمتلك جماهيرية تؤهلها للوصول إلى البرلمان والحصول على أغلبية تمكنها من تشكيل حكومة تنفذ من خلالها تلك البرامج وتطبق هذه السياسات، فأين نخبتنا الحزبية والسياسية من هذا؟ نحن لدينا كم من الأحزاب الورقية التى لا علاقة لها بالجماهير من قريب أو بعيد، لدينا أحزاب ديكورية لا عمل لها غير تلميع قياداتها إعلامياً، فلا أحزاب حقيقية ولا برامج عملية تقنع الجماهير، بل هى برامج وضعت بهدف الحصول على موافقة لجنة الأحزاب، حتى إن قيادات وجماهير هذه الأحزاب لا تعرف هذه البرامج ولا علاقة لها بها، ولكن هى أحزاب ذات اسم بلا مضمون يتم الانتساب إليها بهدف الحصول على مكسب ذاتى، وهو الوصول إلى البرلمان، ودليل ذلك ما نراه من مهازل ومسخرة سياسية فى ما يسمى تشكيل الائتلافات الحزبية لخوض انتخابات البرلمان، هذه المهزلة كشفت المستور وأعلنت أن هذه الأحزاب تفتقد إلى كل المبررات التى تجعلها أحزابا، فلا برامج ولا جماهير ولا رؤية سياسية، ولكن الجميع يسعى إلى ضمان الحصول على مقعد بالبرلمان، ولذا لا نجد غير الصراع ولا نسمع غير التشاحن والتلاسن عقب كل اجتماع، والغريب أنه فى ظل هذا الواقع المخجل المتردى نرى هذه النخب تمارس كل أنواع الوصاية على الجماهير، ولا نعلم بأى أمارة هذه الوصاية ومن هم وما هى إمكاناتهم وما هى جماهيريتهم التى يعتمدون عليها للوصول إلى البرلمان؟ فهم لا يعجبهم قانون الانتخابات، لأنه يعلى الفردى وهم يريدونها قائمة حتى يضمنوا جمع أصوات من دائرة كبيرة فيضمنوا المقاعد لأنهم فى الدوائر الفردية الأصغر لا يحصلون على غير الهواء، هم يريدون تأجيل الانتخابات بحجة عدم وصول «الوطنى» والإخوان، فأين أنتم وأين قواعدكم الثورية التى تتشدقون بها حتى تنتصروا على «الوطنى» والإخوان؟ يريدون التأجيل ولا يهمهم استكمال خارطة الطريق ولا الانتهاء من الشرعية الدستورية، ولكن لا يعنيهم غير مصالحهم الذاتية الضيقة، يتحججون بالأمن، متناسين إجراء الاستفتاء على الدستور وانتخابات الرئاسة فى وقت تزداد فيه الكفاءة الأمنية، والأهم يهددون دائما بأنه لو لم تتم الاستجابة لمطالبهم فإن الشارع سيثور ويغضب وسيخرج غاضبا ضد السلطة والنظام، ولا نعلم فإذا كانوا هم من يملكون الشارع وهم من يستطيع تحريكه عندما يريدون فلماذا الخوف من الانتخابات؟ ولماذا لا تعتمدون على هذا الشارع حتى تهزموا القوى المناوئة للثورة؟ النخبة الحقيقية والأحزاب العملية والسياسة الفعلية هى تلك التى تعتمد على الجماهير إيماناً واقتناعاً واختياراً لا على المتاجرة بالجماهير ولا الاسترزاق بالثورة، فالجماهير تقف مع من يقف معها ولا يتاجر بأحلامها، حمى الله الوطن والثورة من تجار الأوطان ومسترزقى الثورات.