المواقف المبدئية لا تتجزأ، والغاية لا تبرر الوسيلة، والأرشيف يحفظ كل شىء يتعلق بهذا، وبالتالى لا يمكن لأحد أن يدعى غير الحقيقة، وحين تنسى «الجماعة» وتحالفها ذلك فتدعو إلى تظاهرة فى الذكرى الـ«62» لإعدام العاملين «مصطفى خميس» و«محمد البقرى»، فإن ذلك يعنى فعلا، وقولا، تحركا يدعو إلى السخرية.
وقصة إعدام «خميس» و«البقرى» معروفة، حيث قادا مظاهرة عمالية كبيرة فى شركة «مصر للغزل والنسيج الرفيع» بـ«كفر الدوار» فى شهر أغسطس عام 1952، واشتبكت قوات الشرطة مع العمال فقتل 9 بينهم شرطيان، وجرح 23 بينهم 7 من الشرطة، واشتعلت النيران فى السيارات والمبانى والأشجار.
قرر مجلس قيادة ثورة 23 يوليو تشكيل مجلس عسكرى لمحاكمة 29 متهما، على أن تجرى المحاكمة فى موقع الحادث، وقضت المحكمة بإعدام «خميس» و«البقرى» وصدق على الحكم اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة وقتئذ، ويقول فى مذكراته «كنت رئيسا لمصر»، أنه طلب قبل أن يصدق على الحكم مقابلة «خميس»، وفى اللقاء طلب «نجيب» من «خميس» أن يتعاون مع المدعى العام، ويشرح له الدواعى التى جعلته يفعل ذلك، فرد: «لا أحد ورائى، وأنا لم أرتكب ما يستحق الإعدام»، ويقول نجيب: «أنه لم يجد مفرا من التصديق على الحكم»، وكان جمال عبدالناصر وخالد محيى الدين ويوسف صديق، هم الثلاثة من بين أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين رفضوا الحكم.
لم يكن هناك صوت للإخوان وقتها فى رفض هذه المحاكمة، وما آلت إليه من أحكام، لم تدع إلى مظاهرة، ولم تصدر بيانا تناصر فيه العمال، ولم تنتفض ضد صدور حكم الإعدام، وبالتالى لا يمكن لها أن تمحو هذه الصفحة من تاريخها، ولأن الأمر كذلك، فإن تمسحها فى هذه الذكرى حاليا يدعو إلى وضع ألف علامة استفهام.
كيف لها أن تفعل ذلك، وفى سجلات التاريخ أن سيد قطب أحد القيادات التاريخية لها، نشط وقتها فى الكتابة تحريضا ضد عمال كفر الدوار قائلا فى مقال نشره بمجلة الإذاعة فى 23 أغسطس 1952، أى قبل صدور الحكم بخمسة أيام: «لا أريد أن أصدق أن الأيادى التى بنت الوطن ولا تزال تبنيه، يمكن أن تمتد إلى هذا الوطن فتهدمه أو تحاول هدمه، لا أريد أن أصدق أن العمال الذين حملوا لواء الثورة منذ بدء النهضة هم الذين يمزقون اليوم علم الثورة».
الأمر فى ظاهره وباطنه واضح، فالجماعة تلجأ إلى مغازلة صريحة وواضحة كعادتها فى أوقات ضعفها ومحنتها إلى أى قوى سياسية لتصطف معها، وحين يتحقق لها التمكن تشوط الجميع، وتبتلع كعكة الفوز وحدها، وهى فى تلك القضية تكرر لعبتها بمغازلة قوى اليسار التى تتبنى تاريخيا قصة «خميس والبقرى» من أجل أن يصطف اليسار معها فى هذا التوقيت، وذلك تحت مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة».
لجأت «الجماعة» منذ 30 يونيو إلى مثل هذه الألاعيب، لكنها لم تنجح، وبالطبع لن تنجح فى لعبتها الجديدة، لسبب بسيط وهو أن ماضيها فى هذا الأمر ليس مشرفا.