من حق إدارة أوباما وسفارتهم بالقاهرة أن تغضب من بعض التغطيات الإعلامية المتجاوزة تجاه مواقف واشنطن من مصر، فكثير من المعلومات التى تصدرت بعض إعلامنا مؤخراً هى من سبيل الهزل الذى لا يمت للواقع ولا المنطق بصلة، وهناك محاولات أراها مريبة لتمرير هذه المعلومات الخيالية للمصريين عبر الوسائط الإعلامية المختلفة، دون أن نعرف أسباب هذا الإصرار من جانب زملاء فى المهنة على استخدام أكاذيب لتأكيد المؤامرة الأمريكية على مصر.
فعلى مدى الأسبوعين الماضيين كنا على موعد مع نوعية مختلفة من هذه الأخبار والأكاذيب التى تصيبك بمجرد سماعها بنوبة ضحك هستيرية، مثل قصة اعتقال قائد الأسطول الأمريكى الذى كان مرابطا بالقرب من مصر أثناء فض اعتصامى رابعة والنهضة، أو غيرها من المضحكات المبكيات على حالنا الإعلامى، لكن هذا ليس إلا استثناء على القاعدة ومرتبط بالأساس بالوضع الاستثنائى الذى تعيشه مصر وتحديداً بعد 30 يونيو 2013، التى شهدت موقفاً أمريكيا ملتبساً فتح الباب للحديث عن مؤامرات وخطط لتقسيم البلاد.
كل هذه أسباب تعطى الحق للأمريكيين، سواء الموجودين فى واشنطن أو العاملين بسفارتهم بالقاهرة، فى أن يغضبوا مما يكتب عن بلدهم فى الإعلام المصرى، لكن من حقنا عليهم أيضا ألا يتعاملون معنا باعتبارنا إعلاما فى مجمله ليس موضوعيا، كما سمعتها من مسؤول أمريكى ظهر غاضبا، ومع غضبه بدأت تخرج منه ألفاظ لا تليق بكونه دبلوماسيا أو منوطا به التعامل مع إعلاميين.
وحتى أكون أمينا، فإننى سأنقل ما سمعته من مسؤول أمريكى عن إعلامنا، فهو قال: «هناك نمط لتشويه الحقائق عن أمريكا ومحاولة لتضليل الرأى العام المصرى، والهدف هو الإساءة للولايات المتحدة، فـ%80 من التغطية المصرية لأمريكا غير حقيقية، وفيها كثير من التضليل والتشويه المقصود والمتعمد، وهو ما لا يخدم العلاقات بين البلدين»، وتناول هذا المسؤول بالتفصيل عما تناوله البعض بشأن «مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية» وأنها تأتى ضمن المخطط الأمريكى لضرب وتقسيم مصر، فقال المسؤول: إن هذه المبادرة التى بدأت منذ عام 2002، لا يوجد من أهدافها تقسيم مصر أو بيعها بالقطعة أو تقليب المواطن المصرى على الحكومات، وهى مبادرة موجودة فى 18 دولة عربية، فضلا على الأراضى الفلسطينية وإسرائيل، فهى ليست مقصورة على مصر، كما أن ميزانيتها مكشوفة، فما أنفقته خلال الـ12 سنة الماضية حوالى 600 مليون دولار على 18 دولة، وأنهى حديثه بالتأكيد على أن المبادرة ليست ردا على 30 يونيو وإنما رد على 11 سبتمبر. نعم قد يكون بعض ما ينشر فى الإعلام المصرى سببا فى حالة الكره التى بدت على بعض المصريين تجاه السياسات الأمريكية، خاصة أن البعض يبالغ فى حديثه لدرجة أن الأمر ينقلب إلى العكس تماماً، لكن ألا يعطى المسؤولون الأمريكيون أنفسهم قليلا من الوقت لكى يراجعوا أيضا ما يكتبه إعلامهم عن مصر، ويرصدوا ردود الأفعال المصرية عليه، فعلى سبيل المثال دأب الإعلام الأمريكى منذ ثورة 30 يونيو على تصوير مصر بأنها الدولة التى تقتل مواطنيها فى الشارع، وأن الإخوان هم الفصيل الأهم فى الشارع، والآن يتعرضون لكل الانتهاكات، بل إن هذا الإعلام يتغاضى عن عمد عن كل أنواع الإرهاب الذى يمارسه أعضاء الإخوان ضد المصريين دون مبرر، وكثير من إعلامهم فتح المجال للمطالبين بإلغاء المساعدات الأمريكية لمصر أو على الأقل ربطها بشروط سياسية وأخرى مرتبطة بأوضاع حقوق الإنسان فى مصر.
قد يكون الإعلام المصرى متجاوزا بعض الشىء، لكن لماذا لا يفسر لنا المسؤولون الأمريكيون أسباب تجاوز إعلامهم ضدنا، أم أنهم ما زالوا مقتنعين بأن إعلامهم موضوعى وحيادى، ونحن ما زلنا نعيش فى عصر التخلف.. كما أن هؤلاء المسؤولين لم يفسروا لنا لماذا يخرج كتاب ونواب كونجرس أمريكيين يتحدثون عن الاتفاقات التى كان ينوى أوباما عقدها مع الإخوان، وأن سقوط نظامهم أفشل هذه المخططات، أم أنهم يعتبرون الإعلام المصرى هو من فبرك هذه التصريحات المنشورة بالصدفة على بعض المواقع الأمريكية.
الأمر من وجهة نظرى أعمق من فكرة تحميل الإعلام المصرى وحده المسؤولية، فالإعلام الأمريكى جزء من حملة التشويه التى تعانى منها أمريكا فى القاهرة.