إذا كان السيد عمر مكرم هو أول ثائر مصرى فى القرن التاسع عشر، عندما قاد الشعب ضد الحملة الفرنسية «1798/ 1801»، فإن المصريين ظلوا صابرين على الضيم والقهر والاستعباد نحو 80 عامًا حتى اتقد صدر أحمد عرابى بالغضب ضد الأوضاع المعوجة، فأصبح هو الثائر الثانى فى هذا القرن الطويل!
فى مثل هذا اليوم 9 سبتمبر من عام 1881 تجرأ عرابى، ومعه عدد كبير من الضباط وطوائف الشعب على مواجهة الخديو توفيق فى ميدان عابدين مقدمًا إليه طلبات الشعب المتمثلة فى إسقاط الوزارة المستبدة و«تشكيل مجلس نواب على النسق الأوروبى» كما كتب عرابى بالنص فى مذكراته، وزيادة عدد أفراد الجيش، فلما احتج الخديو وقال بغرور: «كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا وريث ملك هذه البلاد عن آبائى وأجدادى، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا»، وإذا بعرابى يهتف فى وجه الديكتاتور صائحًا بعبارته المأثورة: «لقد خلقنا الله أحرارًا.. ولم يخلقنا تراثا وعقارًا، فوالله الذى لا إله إلا هو أننا سوف لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم».
الآن بعد مرور 133 عامًا على الثورة الشعبية الأولى ضد الحاكم فى تاريخ مصر الحديث، ماذا يمكن أن نستفيد من هذه الثورة التى أهانها بعض المؤرخين وأطلقوا عليها «هوجة عرابى»؟
الحق أن قراءة التاريخ تمنحنا فرصة ذهبية لنعرف أنفسنا، وللأسف فإن نصيبنا من معرفة تاريخنا بشكل جيد شحيح للغاية، وإلا ما حاول مبارك ورجاله أن «يورثوا» حكم مصر إلى جمال مبارك، ولو فهم الإخوان تاريخنا جيدًا، ما سعوا إلى السطو على مؤسسات الدولة «وتحصين» قرارات مرسى، هذا القرار الغبى الذى أغضب المصريين، لأنهم شعروا بأنهم أصبحوا «تراثا وعقارًا» يملكهم حاكم واحد يفعل بهم ما شاء حتى لو ادعى أنه يمثل الإسلام!
إننا بحاجة إلى إعادة قراءة تاريخنا البعيد والقريب أكثر من مرة، لنعرف كيف ننظم أنفسنا لمواجهة الظلم، ونعرف كيف نتجاوز أخطاء الثائرين الكبار من عرابى حتى عبدالناصر، ونتجاوز أيضا أخطاء ثورتى يناير ويونيو، فسلام عليك يا عرابى والمجد للشعب على الدوام.
الغباء الانشطارى يكمن فيما تمارسه بعض الدوائر الحكومية على المواطنين فى ظل أزمة كهذه، يجعلك تتردد كثيراً قبل أن تقول كلاماً مثل الذى فى الفقرة السابقة، هذا الغباء يبدأ من التوقيت الذى يختار فيه الجالس على لوحة التحكم بالشبكة القومية توقيتات سخيفة يشعر من خلالها الناس أن هناك تعمدا فى التنغيص على حياتهم، ويشمل الغباء أيضاً حالة البرود واللامبالاة التى يمارسها موظف الشكاوى الذى تتصل به لتعرف إذا ما كان الانقطاع سببه عطل فنى أم كارثة أم تخفيف أحمال، وتكتمل الدائرة بالوزير الذى يستسهل حجة الاشتباه فى عمل تخريبى قبل حتى أن يعرف السبب الحقيقى ليخبئه عن الناس، فى حين أنهم فقط سيرتاحون للحقيقة وسيكتشفون المناورات مع انتهاء أول جملة من فم الوزير.